"عاوز فانوس رمضان عليك وعلى شارع نور الظلام. هكذا لخص عم سلامة صانع فوانيس رمضان بمنطقة "بركة الفيل" قصة الفوانيس، حيث إن هذه هى المقولة التى كانت تقال فى السابق لأى شخص يسأل من أين يمكننى شراء فانوس رمضان.
شارع نور الظلام هو الشارع الذى كان موجودا به أكثر من 6 ورش لصناعة الفوانيس، لكنهما بدأوا فى الاختفاء واحدة تلو الأخرى حتى صمد ثلاثة منها حتى الآن. إلتقينا بعم سلامة الذى يعمل بهذه المهنة منذ أكثر من 50 عاما، والذى عندما تراه للوهلة الأولى تشعر ببشاشة وجهه وروحه الطيبة، وتحدثنا إليه طويلا ليحكى لنا كيف يقوم بعمل الفانوس صانع البهجة فى رمضان على وجه الأطفال والكبار، فلا يوجد منزل واحد يخلو من وجود فانوس.
كان عم سلامة وقت أن ذهبنا إليه يقوم بعمل "القبة" وهى الجزء العلوى من الفانوس، وأخذ يشرح لنا المراحل التى يمر بها الفانوس داخل الورشة حتى إكتماله. "فوانيس رمضان كلها بنعملها من الصفيح، بس نوع فاخر، ثم نقوم بتلوين الفانوس والزجاج باستخدام الألوان الطبيعية وبنرشها تينر وورنيش عشان تستحمل وتعيش، وبطلنا نستخدم السبرتو والجمالاكا عشان الشمس بتمسح الألوان". وبسؤاله عن أنواع الفوانيس التى يصنعها هل التقليدية أوالحديثة أو الإثنين معا، قال " أعمل فى صناعة الفوانيس التقليدية أبو شمعة بس كبر وبقينا نعمل منه المقاس الكبير اللى بيصل طوله 2 متر أو 3 متر".
الأدوات التى يستخدمها عم سلامة وزملاؤه فى صناعة الفوانيس عبارة عن "كاوية" وهى شبيهة بالشاكوش يقوم بتسخينها على النار ثم يستخدمها فى لصق أجزاء الفانوس بعضها البعض، وبودرة "قلفورية"، و "قصدير" وهو المادة الرئيسية فى لصق الفوانيس، و"الزُمبة" وهى التى تستخدم فى الرسم بالدق على الصفيح لعمل أشكال عليه مثل جامع أو غيره على أن تكون مرتبطة بالشهر الكريم. مراحل عمل الفانوس ممكن تلخيصها فى 5 نقاط كما أوضح عم سلامة لنا؛ أول مرحلة "الصندقة" هى كسى الزجاج المقطع بالصفيح، ثم تأتى المرحلة الثانية وهى "التقفيص" أى تظبيط الزجاج داخل الإطار الصفيحى، ثم تأتى مرحلة "التجميع" وهى التى يظهر خلالها أغلب هيكل الفانوس ويلى ذلك تركيب الجناب، المرحلة قبل الأخيرة هى
"السمبكة" هى دق الرسومات بـ "الزُمبة" على ألواح الصفيح المرققة، وفى النهاية يتم تلوين الفانوس بالألوان الطبيعية. عم سلامة يستخدم الزجاج الفامى أو "الاسلامى" كما قال لنا، ويصنع فوانيس سادة فى أغلب الأحيان إلا إذا طُلب منه أحد شغل "شبرونة" وهو الرسم على الزجاج بعض النقشات أو الكتابات الخاصة برمضان.
عم سلامة صاحب روح جميلة، يحبه الأطفال والكبار بالمنطقة لسماحة وجهه وطيبة قلبه، الأطفال يأتون إليه للحام فوانيسهم القديمة قبيل شهر رمضان، ولا يأخذ منهم شيئا لأنه يكتفى بإبتسامة الأطفال ابتهاجا بالفانوس، وهو ما علقنا عليه قائلين " محتاجين ناس زيك كتير فى مصر يا عم سلامة".
بمنتهى الثقة، أكد عم سلامة أنه لا توجد منافسة بين منتجاته والفوانيس الصينى التى غزت الأسواق، ووصف الصينى بـ "الموضة"، مضيفا أنه يقوم بعمل الفوانيس الصغيرة لللأطفال بشمع أو لمبة صغيرة، حتى يرضى كل الأطراف. وبالنسبة للأسعار، أوضح عم سلامة أنه يحدد الأسعار بناء على الكمية التى يبيعها وأنه لا يحسب تكلفة الفانوس مقارنة بأسعار المواد الخام التى يستخدمها والتى أكد أن أسعارها تضاعفت بنسبة 100%.
على الرغم من ذلك لا يستطيع رفع سعر الفانوس حتى يستطيع أن يبيعه، خاصة هذا العام، نظرا لأن بعض التجار كانوا متخوفين من تصنيع الفوانيس وعدم القدرة على بيعها لإعتقادهم أن السوق سيكون نائما هذا الموسم، ولكن الوضع اختلف تماما مع قرب حلول رمضان، وتوافدت الناس كعادتها كل عام لشراء فانوس رمضان، مما اضطر عم سلامة وزملاؤه للعمل بإيدهم وسنانهم عشان يقدروا يسدوا السنادى أمام طلبات الجماهير.
ثورة 25 يناير، أثرت فى عم سلامة مثل كل المصريين، إلا إنها أثرت عليه بشكل ما، حيث قال "إحنا تعبنا وإتوقف حالنا من بعد الثورة، بس اتبسطنا من الثورة، لكن المشكلة دلوقتى إنى مش عارف أبيع فانوس زى كل سنة". وأضاف "أهدى فانوس رمضان السنادى لمصر والثورة وشهداء الثورة، خاصة الفانوس الذى دخل فى تكوينه السنادى علم مصر إعزازا وفخر مننا بمصر وبثورتنا".
تجولنا بعد حديثنا مع عم سلامة، وسط باعة الفوانيس، حتى وصلنا لمنطقة "تحت الربع" بباب الخلق، وفيها تجد الفوانيس بكل أنواعها، التقليدية الصاج، الصينى البلاستيك، بشمعة، بلمبة. أسعار الفوانيس هذا العام تبدأ من 8 جنيه الى 120 أو 300 جنيه كحد أقصى مثلما أوضح محمد أحد التجار بالمنطقة، والجديد لديهم الفانوس "أبو ولاد" وهو الفانوس ذات الجنابات الكثيرة، و"البرج" المطعم بالرسم على الزجاج، ووضح محمد أن كل تجارته صناعة مصرية من الصفيح والزجاج فقط لا غير. شىء غريب وغير متوقع وجدناه، عندما سألنا أحد التجار "أين فوانيس الثورة؟"، ورد علينا "إحنا مهتمنياش بالثورة السنادى والفوانيس عادية زى كل سنة".
عماد أحد التجار بمنطقة "تحت الربع"، إبتكر فانوسا على شكل علم مصر بالخيوط والقماش وكان سعره 30 جنيه، وقام بتغطية أجزاء من الفوانيس التقليدية بقماش الخيامية، وهو ما أكد أنها لن تتأثر بالحرارة ولا خوف منها. وأشار عماد الى أن المبيعات كانت منخفضة هذا العام بشكل كبير، ولكن عادت حركة شراء الفوانيس تنتعش بعض الشىء بعد جمعة "الحسم".
قابلنا بعد ذلك "الأصلى" أو حامد مختار، فى شارع الخيامية بمنطقة "تحت الربع" أيضا. الأصلى كما يطلق عليه أهل المنطقة لما تميز به من عمل تطوير فى زينة رمضان التى كان يعلقها الناس صامتة دون أى فن، فقام بعملها من قماش الخيامية مقطعة بأشكال جمالية، ولها فرانشات على جوانبها تزينها، وعمل هلال وفوانيس من القماش حتى يتم تعليقها كزينة رمضانية، ويمكن شراؤها بالمتر الذى يبدأ سعره من2.5 جنيه وحتى 5 جنيه للمتر. كما قام بعمل فانوس من السلك مغطى بقماش الخيامية والذى يبدأ سعره من 25 جنيه، ويزيد سعره بناءا على حجمه.
"الأصلى" احتفل بثورة 25 يناير بشكل كبير، حيث قام بعمل ماكيت لموقعة الجمل بقماش الخيامية وفاز بالمركز الأول بجائزة مؤسسة أغاخان لتطوير الحرف اليدوية التقليدية عن هذا العمل. الأصلى الذى اعتبر عمله لأى شغل عليه اسم "ثورة" أو "شهداء" على منتج يبيعه نوع من المتاجرة بالثورة، فقام بعمل زينة رمضان على شكل علم مصر. واستنكر حامد فى نهاية حديثه، إن فى خواجات يعرفوا شارع الخيامية فى حين إن مصريين كتير لا يعرفونه.