ويبدو أن هذا القرار قد جاء في مسعي جاد للحكومة ووزارة المالية للحفاظ علي نسبة الحجز والدين العام في حدوده المخطط لها في الموازنة العامة للدولة, خاصة أن جهات الجهاز الاداري للدولة والهيئات الخدمية كانت قد اعتادت علي تجاوز اعتماداتها سنويا, مماشكل مشكلة مزمنة يعاني منها المسئولون في وزارة المالية.
هذا القرار يتعلق بالاعتمادات الواردة في الموازنة العامة, والهدف منه بالإضافة الي الحفاظ علي نسب العجز والدين العام المخطط لها, ولكن ماذا عن الصناديق الخاصة والتي لاسيطرة عليها من قبل أحد, ولا رقابة جادة عليها.. كما نعلم تقوم وزارة المالية الآن بدراسة لضم هذه الصناديق الخاصة الي الموازنة العامة للدولة بهدف تحقيق مبدأ فاعلية النفقة الذي نساه كل وزراء المالية بعد الدكتور مدحت حسانين وفاعلية النفقة لاتعني ترشيد الانفاق ولكن وضع معايير واضحة للإنفاق تضمن أن يأتي هذا الانفاق بفائدة تساوي ما تم انفاقه, وتتم محاسبة الجهات المنفقة علي أساس هذه المعايير والنتيجة الإيجابية أو السلبية لهذا الانفاق.
واختلفت الآراء حول قيمة ماتضمه هذه الصناديق الخاصة من أموال ففي الحسابات الختامية التي يراجعها ويعتمدها الجهاز المركزي للمحاسبات تقدر الأرصدة بالجهاز الاداري للدولة بحوالي1.27 تريليون جنيه, وبلغ ما أمكن حصره من مخالفات بها عن نفس العام(2009/2008) مايقدر بـ395.5 مليون جنيه وان جانبا كبيرا من الانفاق من هذه الصناديق والحسابات الخاصة انفق في نشر اعلانات ومكافآت لبعض العاملين المنتدبين من جهات أخري أو تجهيز قاعات ومكاتب وشراء أراض أو تم صرف كامل حصيلة هذه الصناديق كمكافآت دون الصرف علي باقي أغراض الصندوق.
وفي أحد الآراء التي نشرت للمهندس أشرف بدر الدين عضو مجلس الشعب السابق أكد أن المخالفات بهذه الصناديق كثيرة متشعبة, فعلي سبيل المثال نجد أنه في صندوق تحسين الخدمة ودعم البحوث المشتركة بديوان وزارة الصحة تبين عدم ممارسة الصندوق للأنشطة المنشأ من أجلها وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منه وصرف مكافآت للعاملين ومرتبات للاستشاريين بنسبة10% من المنصرف من هذا الحساب والتي تعد من صميم عملهم والذين يتقاضون عنه رواتب وحوافز, وبلغ قيمة ما أمكن حصره من مخالفات في الصرف ـ طبقا للجهاز المركزي للمحاسبات ـ حوالي23.477 مليون جنيه وهذا مخالف لأحكام القرار الجمهوري رقم69 لسنة1978, والمخالفات كثيرة في كل الصناديق الخاصة ولايتسع المجال لذكرها وللعلم فقط, تم انشاء هذه الصناديق وفقا للمادة20 من القانون53 سنة1973 بأنه يجوز لرئيس الجمهورية أن يعطي الحق بانشاء صناديق تخصص لها موارد معينة لاستخدامات محددة ويكون له موازنة خاصة وتنشأ خارج الموازنة العامة للدولة, وتتبع الجهات الادارية المختلفة سواء الجهاز الاداري أو الادارة المحلية أو الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.
وقد ضربت هذه الجهات بالقانون عرض الحائط بكثير من المخالفات وقد حاول الدكتور مدحت حسانين وزير المالية الأسبق وقف هذه المخالفات بطرق عدة ومنها تأصيل مبدأ فاعلية النفقة وضرورة وضع معايير ورقابة فعالة علي كل أساليب الانفاق ولكنه خرج سريعا من الوزارة دون تحقيق ذلك!!
والآن يحاول الدكتور حازم الببلاوي وضع حل شامل لهذه الصناديق خاصة بعد أن شدد الجهاز المركزي للمحاسبات علي أن وجود هذه الأموال خارج الموازنة يعد مخالفة لقانون الموازنة العامة للدولة, وأنه من المبادئ الأساسية ان تشمل الموازنة وحسابها الختامي علي كل الموارد أيا كان مصدرها, وكل أوجه الاستخدامات أيا كان الغرض منها بهدف إظهار كل المعلومات لصانعي القرار وواضعي السياسات المالية لاحكام توزيع الموارد المالية علي أوجه الانفاق المطلوبة.
وذكر الجهاز المركزي في آخر تقرير له الذي يحمل عبارة سري جدا وخروج بعض الصناديق والحسابات الخاصة عن الضوابط التي تحكم إنشاءها وعدم تحقيق الكثير منها للأهداف المنشأة من أجلها, وعدم احكام الرقابة علي مصروفات العديد منها والصرف من أموالها في غير أغراضها, مؤكدا ان اجمالي ما أمكن حصره من مخالفات بهذه الصناديق خلال العام بلغ قرابة4 مليارات جنيه, بخلاف مايصرف لأعضاء مجال ادارات هذه الصناديق بموجب قرارات انشائها ولوائحها من مكافآت تصل الي عشرات المليارات.
وأخيرا وبغض النظر عن ضم أو عدم ضم تلك الصناديق الي الموازنة العامة للدولة فإن كل مانطالب به ان يستفاد من حسابات هذه الصناديق وأموال الموازنة نفسها في خدمة الاقتصاد المصري وعمليات التنمية حتي تتجاوز مصر أزمتها الراهنة ـ دون الاقتراض من الخارج ـ وهذا ما طالب به الدكتور حازم الببلاوي وزير المالية حين صرح بأن هذه القضية سيتم فتحها للنقاش المجتمعي لتحديد دور واضح لهذه الصناديق في خدمة الاقتصاد.