تبدأ الحلقة الرابعة من "ملفات الثورة" بلحظة حاسمة ليس في تاريخ الرئيس السابق حسني مبارك، ولكن في تاريخ مصر، وهي ظهر يوم الجمعة الموافق 11 فبراير/شباط، حيث تلقى مبارك آخر تحية عسكرية كرئيس للدولة وقائد أعلى للقوات المسلحة، قبل أن يغادر من مطار ألماظة العسكري في ضواحي القاهرة بطائرة عسكرية إلى مكان معلوم وهو شرم الشيخ، لينتظر مصيراً مجهولاً كان خارج الحسابات، تطارده فيه مطالب شعبية ضاغطة تطالب بمحاكمته.
وبعد ساعات من مغادرة مبارك وفي نحو السادسة تلا عمر سليمان نائب الرئيس السابق قرار التنحي، الذي قوبل بفرحة طاغية في الشارع المصري.
أحداث الأيام الأخيرة قبل قرار التنحي كانت الأكثر غموضاً في أيام مبارك في الحكم، فيما يخص تنحيته، وهو المطلب الرئيس لثورة الخامس والعشرين من يناير
وتشير جميع الشواهد إلى أن موعد تنحي مبارك تم اتخاذه في العاشر من فبراير، كما تدل على ذلك تصريحات وتلميحات العديد من المسؤولين المصريين ومصادر أخرى.
وجاء انعقاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في غياب مبارك ونائبه عمر سليمان ليوحي بأن مبارك تم عزله بالفعل.
وعن تلك الفترة يقول وزير العدل المستشار عبدالعزيز الجندي إن بيان المجلس العسكري رقم واحد والذي تبنى الثورة ووصف مطالبها بالمشروعة, وغياب مبارك عنه يعني ضمنياً تنحيته.
وقبل ذلك بيوم كان مبارك قد ألقى آخر خطاب له مساء العاشر من فبراير، والذي صدم المصريين بتفويض صلاحياته لنائبه فقط وليس التنحي كما كان متوقعاً على نطاق واسع.
جانب من المظاهرات المصرية
وإذا كان مبارك قد ترك الحكم في الحادي عشر من فبراير، فإن عوامل نهاية حكمه ظهرت قبل ذلك بسنوات وتجلت في الفساد والفقر وتراجع الإصلاحات السياسية، ومشروع التوريث الذي تسارعت وتيرته، وتحول لأبرز عوامل رفض وسقوط نظام مبارك.
ويعود البرنامج إلى الوراء قليلاً ببث جزء من لقاء سابق مع جمال، راوغ فيه من الإجابة بشكل صريح عن احتمال ترشيح نفسه للرئاسة، واكتفى بالقول إنه يعمل ومستمر في مهمته حتى الانتخابات العامة المقبلة أما مبارك الأب فقال إن جمال مواطن عادي قد يرشح نفسه وقد لا يرشح، وقد يترشح ولا يتم انتخابه.
ويمضي البرنامج للقول إن فكرة التوريث لم تكن مرفوضة من الشارع فقط, ولكنها كانت مرفوضة من الجيش أيضاً ولو بشكل غير معلن، وهو ما عبّر عنه اللواء محمد العصار بقوله إن المؤسسة العسكرية لم تكن مستسلمة تماماً لما يدور في مصر، ومشروع التوريث كان يؤذي مشاعر أفراد المؤسسة العسكرية، ولكن التعبير عن ذلك كان يتم بأسلوب منضبط ولا يخرج عن الانضباط العسكري.
أما الكاتب سلامة أحمد سلامة فعبّر بشكل أوضح عن ذلك بالقول إن خطة التوريث كانت واضحة وتسير بخطى سريعة وكان يتم الإعداد لها، وكان جمال يحضر جميع الاجتماعات المهمة، وكل القرارات كان يتم أخذ رأيه فيها، وكان له دور في تعيين أو فصل وزراء، وفي كثير من الأمور كان مبارك يترك له الأمر، ويخلص سلامة إلى أن جمال كان يحكم بالفعل من الناحية العملية.
وبمجرد التنحي ارتفعت المطالب بمحاكمة مبارك، وبعدها بيومين طلب جهاز الكسب غير المشروع من النائب العام مخاطبة الخارجية المصرية للتحرك لتجميد أرصدة مبارك وأسرته في العديد من الدول.
ومع استمرار الضغوط الشعبية صدر قرار منع مبارك من السفر وأفراد أسرته، ثم جاءت نقطة التحول وبعد توجيه مبارك رسالة صوتية في أبريل/ نيسان، حيث قرر النائب العام حبس مبارك على ذمة التحقيق في قضايا تتعلق بالتربح واستغلال النفوذ وقتل متظاهرين.
ويقول محمد زارع، رئيس المنظمة المصرية للإصلاح الجنائي، إن خطاب مبارك استفز الجماهير، وأيضاً تظاهر عدد من ضباط الجيش مع الجمهور في ميدان التحرير للمطالبة بالمحاكمة سارع بالقرار، ولم يكن باستطاعة الجيش الانتظار أكثر من ذلك لأنه ستطاله شبهة التواطؤ.
وبعد التحقيق مع مبارك ونجليه علاء وجمال تم ترحيل الأخيرين لسجن طرة، بينما تشبث مبارك بالبقاء في مستشفى شرم الشيخ الدولي.
وأثار وجود مبارك في مستشفى المدينة استياء بعض العاملين في مجال السياحة الذين يرون أن وجوده يتسبب في تعطيل حركة السياحة للمدينة الساحلية الهادئة.
التربح واستغلال النفوذ وقتل المتظاهرين من أبرز التهم الموجهة لمبارك، ويشكك كثيرون في إمكانية محاكمة مبارك, كما دفع ما تردد عن وجود ضغوط من أطراف خارجية لمزيد من الضغط الشعبي نحو الإسراع بالمحاكمة.
ونفى وزير العدل وجود ضغوط، وقال إنه شخصياً لم يتعرض لأي ضغوط، أما الكاتب سلامة أحمد سلامة فيقول إن كرامة مصر لا تسمح بمقايضة محاكمة مبارك مقابل مِنحٍ.
وتطورت الأمور بقرار النائب العام إحالة مبارك ونجليه ووزير الداخلية السابق وحسين سالم لمحكمة الجنايات بعدة اتهامات على رأسها قتل متظاهرين، واستغلال النفوذ وتمكين حسين سالم من تملك مساحات واسعة من الأراضي في شرم الشيخ، ومن الحصول على أرباح مالية بغير حق مقابل تصدير الغاز لإسرائيل، وتحدد الثالث من أغسطس/آب المقبل موعداً لبدء المحاكمة التي تثير الجدل حول مكانها وإجراءاتها.