مثل الفارس الإسباني دون كيشوت وجدت نفسي هذا الصيف مع فارقين بسيطين: أنه كان يصارع الطواحين فيما أنا متورط بمصارعة الأشباح, وأنه كان شجاعاً لا يخاف بينما أنا لست من حملة السيوف ولا البنادق. ما أملكه هو قلمي, ومفاتيح حاسوبي. لهذا فأنا خائف على نفسي وعلى ٥ معتقلين في سجون الإمارات وقعوا ضحايا فخ مشابه للفخ الذي نصبه لي شبح غامض.
لا أستطيع أن أقول بأنني سررت وأنا أقرأ مقالا بأسمي "المستور في حياة المجتمع الاماراتي الحقوق والحريات” عن وضع حقوق الإنسان في الإمارات منشور في موقع قضايا خليجية. ليس ذلك لأنني ضد أفكار المقال المفبرك, فأكثر ما ورد في المقال كلام قد يتفق معه حتى بعض المسؤولين الذين ننتقد إدارتهم للوضع الحقوقي في البلاد. لكنني بالتأكيد أبرأ من نص اتهم فيه الكاتب السلطة في الإمارات بارتكابها عمليات تعذيب في سجونها, وأورد تفاصيل مروّعة عن معاملة السجناء.
لا أستطيع أن أنسب مثل هذا النص لنفسي لأنني لا أملك خبرة شخصية في الاعتقال ولا التقيت بأحد أعلمني بانه تعرّض لهذه الخبرة. وأنا بالتأكيد لست مؤهلا للتأكيد على حدوثها. المؤسسات الحقوقية الدولية تملك منهجا وأدوات تساعدها على التحقيق في هذه الاتهامات وفي تمحيص الأدلة على حدوثها أما الأفراد مثلي, في غياب تجربة شخصية, فلا يستطيعون ذلك.
والأسوأ من ذلك أن قيام المقال الممهور باسمي بإلقاء تهم التعذيب يؤدي إلى تجريمي ويجعلني تحت طائلة القانون ويهدد حريتي نتيجة وجود قانون عقوبات فضفاض يشابه تلك القوانين التي كان القذافي يقرأها على الليبيين قبل أشهر ليخيفهم بها عن الاحتجاج ضده.
الأمر الآخر أن المقال يمثل تعدياً علي ككاتب لأنه يمارس باسمي حقا لا يملكه, فأنا من يحدد متى أكتب عن اختلالات حقوق الإنسان في بلدي, وأنا أحدد الزمان والموقع للنشر. وقد تمت مصادرة هذه الحقوق عبر انتحال الاسم٫ ونحن هنا إزاء وضع جديد لا مثيل له: أن يقوم أحدهم ليس بمصادرة حقك في النقد, كما تفعل الحكومات المستبدة, بل في ممارسته نيابة عنك (!). هل يحاول الكاتب الشبح أن يستخدمني كما تتم استعارة أرحام النساء لحمل تعجز الأم الأصلية عن أدائه؟ أم أن الكاتب مثل محترفات الندب في الريف المصري يتم استئجارهن ليقمن بالبكاء نيابة عن أهل الميت؟ أم هو يمارس دور المرتزقة الذين يتم تجنيدهم بالمال لصالح أطراف لا يملكون مقاتلين مؤمنين بالقضية؟
مهما كان السبب فلسنا بحاجة لأحد ليخوض نضالنا بالنيابة عنا, بإلغائنا. يجب أن نرحب بكل من تدفعه حوافز نبيلة لينصر مظلومينا, لكن بالطبع دون أن يزج بآخرين في تهلكة. لا أعرف أين كان هذا الشبح في خلال ٤٠ سنة من الكتابة. لكنني أعلم أنني لم يدفعني الخوف يوما لأكتب تحت اسم مستعار ولا اختبأت وراء أسماء كتاب آخرين. وأنوّه عن أن كل كتاباتي تأخذ طريقها للنشر في مدوّنتي, وأي شيء ينشر باسمي ولا يوجد بين صفحاتها هي كتابات لا علاقة لي بها من قريب أو بعيد.
أشكر القائمين على موقع "قضايا الخليج” على قيامهم بحذف اسمي من المقال, كما أشكر الدكتور علي خليفه الكواري الذي تواصل معهم لأجل ذلك نظراً لخلو الموقع من عنوان للتراسل معه. لكنني أنتظر من القائمين عليه تنويهاً يشهر ذلك لقرائهم واعتذاراً عن نشر المادة المنحولة وفضحاً لهوية مرسل المادة لهم.
لماذا قام الشبح بانتحال شخصيتي؟ هل كان سلوكا بريئاً من كاتب حاول أن يضفي مصداقية على كتابته بوضعها باسم شخص له تجربة حقوقية في الإمارات؟ هل خشى أن لا يصدق قراؤه ما كتبه لو نشره باسمه؟ ربما, لكن يصعب تصديق ذلك. فالكاتب يقدم مادة للنشر في الفضاء العام وليس تقريراً سرياً بداخل مؤسسة لا يطّلع عليه إلا العدد القليل. في الفضاء العام بالتأكيد يدرك الكاتب أنني سأعرف إن آجلاً أو عاجلاً أن هناك مقالاً منحولاً باسمي. لهذا فليعذرني الكاتب الشبح لو ذهب بي الظن إلى أنه نشر المقال أساساً للإضرار بي, قصداً ومع سبق الإصرار. ولأمض خطوة أخرى وأقول, اعتمادا على ما رشح من اتهامات ضد سجناء الرأي في الإمارات بأن أسلوب التوريط هذا لم يحدث للمرة الأولى في حالتي بل هو الأسلوب الذي استخدم أيضاً لاختراع التّهم ضد سجناء الرأي الخمسة.
حين اعتقل المدوّن أحمد منصور كانت التبريرات المقدمة أنه أساء لمسؤولين في الدولة لكن الإساءة المذكورة كان يحوطها الغموض, في البداية ذكر أنه وصف الإنفاق الحكومي على أنه يشبه الرشوة, وهو تبرير غير معقول للاعتقال لأنه وصف مجازي قد تختلف أو تتفق معه لكنه لا يصل لحد التجريم وبالتأكيد لا يبرر القيام باعتقال الكاتب. وقد كان ممكناً للدولة أن ترفع عليه قضية قذف لو شعرت أن الوصف يندرج في ذلك الميدان وتترك للقضاء ليحسم الأمر دون مصادرة حريته وحريات باقي المدوّنين. لاحقا قدّمت تبريرات أخرى للاعتقال تركزت على اتهام المعتقلين بأنهم كانوا مسؤولين عن ألفاظ سباب ضد مسؤولين إماراتيين في موقع الكتروني يشرف عليه المدوّن أحمد منصور, وأن هذه الالفاظ وردت ليس من المعتقلين بل من زوار الموقع.
وهنا نأتي لتجربتي السيئة مع الكاتب الشبح. إن أي كتابة تزعم نسبها للمدونين الخمسة المسجونين قابلة لأن تكون مزورة ومفبركة ضدهم تماما كما فبرك الكاتب الشبح مقالاً باسمي. ويجدر بسلطتنا القضائية أن تحيط علماً بما حدث فالسادة القضاة هم أعلم من غيرهم, بسبب القضايا التي تعرض عليهم, بفنون التزوير في الوثائق والإمضاءات. وهم قد يكونون حديثي عهد بفنون التزوير في الشبكة العنكبوتية لكن هناك العديد من التجارب تدلل على أن لا شيء يعصم فيها من الاختراق, هناك مصارف كبرى جرى التسلل لبياناتها وكذلك مؤسسات حكومية تتمتع بقدرات استخباراتية عالية مثل وزارة الدفاع الأمريكية والاستخبارات المركزية الأمريكية, برغم أن هذه المؤسسات نفسها طوّرت الانترنت دون أن يعني ذلك ضمان عدم اختراقها, ولهذا على نظامنا القضائي أن يتفهم قدرات أصحاب موقع تدوين على ضبط التعليقات والاختراقات.
وقد قمت قبل أسبوعين بإعلام الزملاء والزميلات من المدونين في موقع اتحاد المدونين الذي أديره بأنني سأغلق الموقع بسبب تعاظم عمليات الهجوم الالكترونية ضد الموقع لأكثر من عام أدت به للتعطل مراراً ولاستقبال حشد هائل من الرسائل المزعجة ونصحت الزملاء لأن ينقلوا مدوناتهم إلى مواقع تتمتع بأنظمة حماية متقدمة لا يمتلكها موقعنا. وقد كان هاجسي وأنا أقرر إغلاق الموقع هو التحسب من مصير مشابه لزملائي المدونين الخمسة القابعين في السجن.
لمن يرغب في إدراك عبثية الاتهامات الموجهة ضد المدونين الخمسة عليه أن يزور صفحات وضعت للهجوم عليهم ولزعم الدفاع عن الدولة وقادتها لكن هذه الصفحات تحوي مواد بالغة الإساءة لشخصيات عامة في الدولة, على سبيل المثال موقع صفحة فيس بوك "احمد منصور خائن بلا وطن” .
وأخذاً بالعلم لما أوردته نتمنى من السادة القضاة الذين ينظرون في قضية المدونين الإماراتيين الخمسة أن يعيدوا النظر في التّهم الموضوعة بإسقاطها انطلاقاً من المبدأ القانوني الذي يعامل الناس كأبرياء حتى تثبت إدانتهم وليس كمذنبين عليهم أن يثبتوا براءتهم . وإلى أن يحدث هذا فإن نظامنا القضائي كله تحت امتحان عسير, امتحان مشابه لحرب الفارس الإسباني ضد الطواحين: أن القضية ضد المدونين الخمسة فبركتها الأشباح. وكلنا أمل بأن يخرج قضاتنا منتصرين للعدل ومنصفين لمن لحقهم الظلم.