اعتبر رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، مهاتير محمد، أن أكبر أخطاء الرئيس السابق حسنى مبارك، هو انعزاله عن الشعب واعتماده على مستشاريه، وأن المصريين بعد الثورة أصبحوا أكثر انفتاحاً للنقاش، وتقبل الاختلافات، مشيراً إلى ضرورة أن يندمج شباب الثورة، مع ذوى الخبرة، مشيراً إلى أن بناء عدد كبير من الفنادق 5 نجوم ذات السمعة الطيبة، هو طريق مصر لتنمية السياحة، مؤكداً أن السياح ينفقون على الشواطئ أكثر من الآثار، لافتاً إلى أن هناك ضوابط يجب وضعها لوجود المستثمرين الأجانب، منها ألا يقتربوا من السياسة، وأن يحققوا أرباحاً مقابل توفير وظائف، موضحاً أن بلاده اعتمدت على التوظيف لتحقيق النهضة، متهماً بعض المتطرفين بأنهم يفسرون الدين بطريقة تجعلهم يحققون الشهرة، لكنهم يضحون باستقرار البلد. وأضاف مهاتير فى حواره مع «المصرى اليوم»، على هامش زيارته إلى مصر لحضور مؤتمر التشغيل الذى عقده اتحاد الصناعات، ومؤتمر نصرة القدس الذى ترأس بلاده دورته الحالية، أن المهم فى الإسلام هو العدل، واصفا تقسيم الدول إلى دينية ومدنية بأنه أسلوب غربى، كاشفاً عن أنه مسلم سلفى، مؤكداً أن بلاده لا تطبق الشريعة وإنما قوانين تضمن العدالة، وتسمح لغير المسلمين بالقمار والخمر، ولديها أحزاب ذات مرجعية دينية، مشدداً على ضرورة أن يكون راتب الوزير مساوياً لربع ما يتقاضاه مدير شركة بترول، لأنه يحظى بفرصة لخدمة بلده، وإلى نص الحوار:
■ فى البداية كيف يمكن النهوض ببلد من وضع التخلف إلى التقدم، وما هى الخطوة الأولى للتحرك؟
- أعتقد أنه من خلال اتخاذ قرار بتجاوز كل الصعوبات التى ستعترض طريقك، وبالتخطيط لتحقيق الهدف الذى ترغب فى التوصل إليه.
■ هل يمكن القول إن التوظيف هو الهدف الذى اخترته لبدء مشروع نهضة ماليزيا؟
- نعم، كان التوظيف هو الهدف المبدئى، لأن الناس إذا عانت من البطالة فسيتسببون فى مشاكل اجتماعية، ومشاكل للحكومة، لذا فإن الوظيفة المبدئية للحكومة هى أن تخلق وظائف بقدر ما تستطيع لمواطنيها.
■ أثناء تنفيذك لمشروع نهضة ماليزيا أعطيت الصناعة أولوية واضحة فسمحت ببناء المصانع فى كل مكان، أما فى مصر فإن هناك تقسيماً صارماً بين الأرض الزراعية والصناعية فهل تؤيد هذا الفصل؟
- نحن أيضا دقيقون فيما يتعلق باستخدام الأراضى، لكن عندما نجد أنه يمكن تحقيق إنتاجية أعلى من خلال استخدام الأرض بشكل مختلف، فلا نسمح لسياسة صارمة غير مرنة بأن تعترض طريقنا، فإذا وجدنا أنه من الأفضل تحويل أرض زراعية إلى صناعية فإننا نقوم بذلك، وهو ما سمح لنا ببيع أراض صناعية، ويمكن أن تكون فى أى مكان يحقق الفائدة، وهو ما سمح لنا بجذب المستثمرين، واستكمال عملية التحول إلى دولة صناعية.
■ وهل تنصح مصر بالاقتداء بالتجربة الماليزية فى هذا الصدد؟
- أعتقد أن هناك أولويات مختلفة، لكن فى حالتنا شعرنا أن الصناعة تخلق وظائف أكثر من الزراعة، وأن الاعتماد على الزراعة سيكون قصرا للنظر، لذا عند الضرورة فإننا نقوم بتحويل الأراضى الزراعية إلى صناعية، لأن فرص العمل التى تخلقها الصناعة أكبر بكثير.
■ كيف يمكن لمصر تطوير قطاع السياحة مثلما نجحتم فى ذلك، خاصة أن مصر لديها العديد من المواقع الجذابة فى البحر الأحمر وجنوب الوادى وغيرهما من المناطق؟
- الفنادق الرخيصة لا تجتذب السائحين الذين ينفقون أموالا طائلة، فهم يرغبون فى الإقامة فى أفضل الأماكن، لذا فإن الفنادق ذات الـ 4 أو 5 نجوم تجذبهم بصورة أكبر، وتحتاج مصر أن تمتلك عددا كبيرا من فنادق 5 نجوم ذات السمعة الجيدة، وعليها أن تدرس ماذا يجذب السياح، فلوقت طويل ركزت مصر على المواقع الأثرية الموجودة لديها، واكتشفت أن الناس ترغب أكثر فى الذهاب إلى الشواطئ، وهو ما نجح فى جذب سياح يدفعون مبالغ أكبر من التى ينفقها هؤلاء الراغبون فقط فى مشاهدة الآثار.
■ وكيف أمكنكم فى بلد إسلامى مثل ماليزيا أن تجذبوا السياح الذين يهتمون بالجلوس على الشواطئ؟
- لدينا بعض الشروط بالطبع، فمثلا فى فرنسا وإيطاليا يأتى السياح بأفعال تخالف تقاليدنا وعاداتنا، ونحن فقط نطلب منهم أن يراعوا طبيعة الدولة التى يقيمون فيها، وغالبيتهم يلتزمون بالتعليمات، ولا يخالفونها.
■ قطاع الطاقة يعد حيويا للنهضة، ومصر لديها معضلة فى التعامل مع هذا القطاع، ما هى نصيحتك لتنمية واستثمار هذا القطاع؟
- إذا كان البلد يفتقد رؤوس الأموال والمعرفة اللازمة لتأسيس القطاع، فمن الضرورى أن يتم دعوة المستثمرين الأجانب، وفى حالة ماليزيا فإننا أدركنا أن إنتاجنا من الطاقة محدود وقد يستنزف، ولذلك أنشأنا شركة بترول مهمتها البحث عن مصادر للطاقة فى بلدان أخرى، قبل أن نتعرض للاستنزاف، ويجب ألا نكتفى بتوقع الحصول على منتجات الطاقة، لكن يجب أن نندمج فى الصناعة بشكل كامل، بداية من البحث والتنقيب عن البترول، وحتى توزيع المواد البترولية المكررة ونقلها وغير ذلك، بما يجعلنا مشاركين فى العملية كلها ويجعلنا نحصل على أفضل المعارف من الصناعة.
■ مصر لديها أسواق غنية بالنفط على مقربة منها، لكنها لا تتعامل معها بنفس المنطق، والشركات الأجنبية والقطاع الخاص يعانون من نظرة المصريين السلبية لهم، لأنهم يرون الجانب السيئ فقط من الرأسمالية، كيف يمكن تسويق فكرة إقامة نظام الاقتصاد الحر فى مصر بناء على تجربتكم فى ماليزيا، وهل من السهل تغيير عقليات الناس؟
- يجب أن أوضح أن الاستثمارات تخلق وظائف وثروة، وأن الأخيرة تعود إلى الناس، لذا فعندما نقرر أنه علينا أن نسمح باستثمارات أجنبية فإن غالبية الناس تقاومها لأنهم يعتقدون أن تلك الشركات الأجنبية ستتحكم فى الاقتصاد، لكن نحن لدينا قواعد، فهم يقتصرون على الأعمال الاقتصادية وليس من المفترض أن ينخرطوا فى السياسة، أو فى الأمور المتعلقة بها، والشروط تكون واضحة للمستثمرين وهى أنه بوسعهم أن يجنوا أرباحاً، لكن عليهم أن يوفروا وظائف جيدة، وألا يقللوا من شأن مواطنى البلد الذى يستثمرون فيه.
■ كيف استطعتم التوفيق بين المرجعية الدينية باعتبار أن ماليزيا مسلمة، والدولة المدنية التى تحقق النهضة من صناعة وسياحة واستثمار أجنبى؟
- ماليزيا دولة مسلمة، فأكثر من 50% من السكان مسلمون، ولا يوجد متطرفون فى مجتمعنا، ونحن نهتم بأن نصل إلى إجابة سؤال مضمونه: ما الذى يخبرنا إياه الدين تحديدا؟ فإذا نظرنا إلى المتطرفين فإننا سنجد أنهم بعيدون للغاية عن الإسلام الحقيقى، لذا فإننا نقول إن هذا انحراف عن التعاليم الحقيقية للإسلام، فالتعاليم الحقيقية للإسلام ترتكز على أساسياته وهى بسيطة للغاية وسهلة، ولا يلزم الإسلام الشخص بأن يرتدى أزياء معينة ليكون مسلماً، لأن الشىء الأساسى هو قلبه، وبعد ذلك بوسعه أن يرتدى ملابسك وفقا لتعاليم الإسلام، وهناك أيضاً من يدافعون عن إطلاق اللحى، إلا أنها سنة وليست فرضا، فبوسع أى إنسان أن يطلق لحيته أو لا، إلا أن بعض المتطرفين يفسرون الدين بطريقة تجعلهم يحصلون على الشهرة فى الوقت الذى يضحون فيه باستقرار بلدهم.
■ وهل تسمحون بوجود أحزاب ذات مرجعية دينية؟
- نعم، فلدينا الحزب الإسلامى الماليزى المعارض، وهو ناجح للغاية، ويستحوذ الآن على منصب الحاكم فى 5 ولايات، وأعضاؤه ناشطون للغاية.
■ لكن ماليزيا دولة مدنية!
- المشكلة أننا أصبحنا نتبع الغرب فى تقسيمه للدول إلى مدنية وأخرى دينية، فلدينا لا يوجد ما يسمى الدولة العلمانية، والمهم فى الإسلام هو العدالة، فالقرار الذى تصدره المحكمة يجب عليها عندما تصدره، وعلى أى مسؤول يصدر قرارا، أن تتأكد أنه عادل، ورغم أننا مازلنا نعمل بالقوانين التى أخذناها من الإنجليز، إلا أن القيمة الأساسية لنا هىالعدالة، لأننا أمة متعددة الأديان، فلا يمكن بتر يد المسلم أو غير المسلم، وإذا تم بتر يد غير المسلم فإن ذلك يتسبب فى مشكلات كثيرة، والقرآن يدعونا إلى عدم التسبب فى المشكلات، لذا فإن أى شىء يعقد الأوضاع ويسبب المشاكل فإنه غير إسلامى، ونحن لا نطبق الشريعة، لكننا نطبق قانونا يضمن العدالة فى ظل مجتمع متعدد الأعراق والديانات.
■ هل تعتبر نفسك إسلامياً؟
- بالطبع، بل أعتبر نفسى سلفياً لأننى أتبع تعليمات الإسلام كما جاءت فى القرآن والسنة، وليس كما يراها إمام بعينه، ورغم أن جميع المسلمين فى ماليزيا من السنة ومن أتباع مذهب الإمام الشافعى، إلا أننا نقبل أيضا تعاليم باقى الأئمة مالك، وأحمد بن حنبل، وأبوحنيفة، لكننا نجد أنه من الصعب علينا أن نقبل تعاليم الشيعة، إلا أنه لا توجد لنا مشكلة معهم.
■ قلت إن هناك حزباً إسلامياً، فهل هناك أحزاب أخرى مرجعيتها تستند إلى ديانات أخرى؟
- لا يوجد حزب مسيحى أو بوذى، لكن هناك حزباً صينياً، وهو بوذى فى الأساس، وهناك حزب للهنود وأساسه الديانة الهندوسية.
■ وهل يختلف الحزب الإسلامى عن حزبك؟
- هم يقولون إنهم أكثر إسلامية، فهم يعلنون أنهم يريدون أن يرسوا دولة إسلامية، ونرد عليهم بأننا بالفعل فى دولة إسلامية ونسألهم عن مفهومهم للدولة الإسلامية، وهم يجدون أن التعريف يبقى صعبا لأن هناك العديد من الدول الإسلامية التى تطبق الشريعة من حيث قطع الأيدى والرقاب، إلا أننا نعارض ذلك لأنه سيميز بين الديانات وبعضها البعض، لأن المسلم سيتعرض لقطع يديه بينما سيحصل غير المسلم على شهرين فى السجن، فهل هذا عدل!
■ وكيف ساهم الإسلام فى نمو الاقتصاد الماليزى؟
- نحن مسلمون وهناك قيود علينا، لكننا لا ننفذ التعليمات الإسلامية على غير المسلمين، فإذا رغب غير المسلم فى لعب القمار، أو شرب الكحوليات فهذا مسموح له، بينما لا يسمح به للمسلمين، فنحن استوعبنا هذه الاختلافات وتقبلناها، وحاولنا ألا نجعلها تعوق عملية التنمية التى تشهدها بلادنا، ولكن بالطبع فإنه يجب ألا تتعارض عملية التنمية مع تعاليم الإسلام.
■ زرت مصر فى عهد النظام السابق، وبعد الثورة، هل ترى أن هناك تغيرا حدث فى المجتمع؟
- بالطبع هناك تغيير، فالناس أكثر انفتاحا على النقاش، أما فى السابق فلم يكن هناك استعداد للمناقشة، أو حتى للشكوى، وكنا نعلم أنهم غير سعداء، لكنهم لم يكونوا ينتقدون النظام، أما الآن فهم يتحدثون ويتقبلون الاختلافات، وهذا أمر صحى للغاية، وهذه هى الحرية التى كانوا يسعون إليها.
■ فى تقديرك من هم أهم أعداء الثورة المصرية؟
- مؤيدو النظام السابق سيشعرون بعدم الراحة، وهذا أمر منطقى، والدول المسلمة المجاورة التى تخشى أن تنتشر العدوى إليها، وهى غير سعيدة بالثورة فى مصر.